اختر اللغة

البحث

الصلاة والطلاب

                                                                غلاف الطبعة الأولى

    

                           غلاف الطبعة الثانية 


رابط كتاب :الصلاة والطلاب في جوجل درايف


الصلاة  والطلاب

محاضرة طلابية عن الصلاة 

إعداد : ماجد بن عبد الله الطريّف


                      بسم الله الرحمن الرحيم
             الصلاة والطلاب
      محاضرة طلابية عن الصلاة
الحمد لله وكفى،والصلاة والسلام على عبده المصطفى،وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
أما بعد :
فحديثنا هذا اليوم عن أمر عظيم وخطب جليل .
إني وجدت مجال القول ذا سعة
                                        فإن وجدت لساناً ناطقاً فقل
هو أمر عظيم يقلقني ويقلق كل مسلم أشد القلق ، ويؤلمني والله غاية الألم .
إني سأحدثكم اليوم عن أمر لو زلزلت له الأرض أو جفت له السماء لكان جزاءً وفاقاً .هو أمر يفرط فيه كثير من الناس وهو عند الله عظيم ، لو أوقفنا الدراسة للحديث عن هذا الأمر ومتابعته أسبوعاً أو شهراً كاملاً لم يكن ذلك كثيرا  فكيف لا نخصص له مثل هذه الجلسة القصيرة ، أتدرون ما هذا الأمر ؟
إن هذا الأمر العظيم هو الصلاة ..
 ونحن نعلم من خلال المشاهدة ومن خلال الإحصائية المأخوذة من الاستبانة الطلابية التي أجريت على عموم طلاب المعهد في العام الماضي نعلم أن التفريط في الصلاة ظاهرة خطيرة منتشرة لدينا وجب الحديث عنها في كل زمان ومكان .
والصلاة من عرف عظمتها بحق حافظ عليها فالصلاة مفتاح الخير وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة .
وأود في البداية أن أنبه إلى أن حديثنا عن الصلاة ليس موجهاً إلى فئة محددة من الطلاب هم الذين لا يصلون ، صحيح أن هؤلاء الطلاب مخاطبون بهذا الكلام بشكل مباشر لخطورة حالهم وسوء عملهم .
ولكن هذا الحديث في الحقيقة هو تذكرة للجميع ...
وهو تذكرة لنفسي أولاً ، ثم لسائر الإخوة من المدرسين والطلاب لمراجعة حالهم مع الصلاة ، فالصلاة درجات يجاهد فيها المسلم طوال حياته .
فالمحافظة على شروط الصلاة وأركانها وواجباتها درجة ،
والمحافظة عليها في الجماعة والتبكير إليها درجة،
ثم المحافظة على سننها درجة، و المحافظة على خشوعها درجة أعلى يجاهد فيها المسلم طول حياته .
فإذا سمعت قوله تعالى {وأقيموا الصلاة } فاعلم أنك مخاطب بإقامتها بحسب الدرجة التي أنت فيها فحاسب نفسك والإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.
إن الصلاة صلة بين العبد و ربه ، يقول أحد السلف " إذا أردت أن يكلمني الله قرأت القرآن ، وإذا أردت أن أكلم الله قمت إلى الصلاة "
( مثال:لو أن حاكماً أو مسئولاً كبيراً أعطاك رقم هاتفه وحثك على الاتصال به فكيف يكون شعورك نحوه؟وكيف يكون مبادرتك إليه؟ فالله أعظم وأكرم.يقول أحد السلف:من مثلك يا ابن آدم ليس بينك وبين الله إلا أن تتوضأ وتصلي )
والصلاة قضاء للحاجات، كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قام فصلى...ومن السنن الواردة صلاة ركعتين عند الحاجة .
والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ، كان رجل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل فإذا أصبح سرق فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال:تنهاه صلاته.
والصلاة صفة المؤمن ؛كلما ذكر المؤمن ذكرت الصلاة يقول تعالى في سورة المؤمنون {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} ثم ذكرت الآيات مجموعة من صفات المؤمنين ثم ختمت بالصلاة مرة أخرى {والذين هم على صلواتهم يحافظون * أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}
ويقول تعالى في سورة المعارج {إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين *الذين هم على صلاتهم دائمون } ثم ذكرت الآيات مجموعة من صفات المؤمنين ثم ختمت بالصلاة مرة أخرى {والذين هم على صلاتهم يحافظون * أولئك في جنات مكرمون}
ومن أول ما ينزع من الناس من دينهم الخشوع في الصلاة وآخر ما ينزع أداء الصلاة
ولا يقل قائل : أنا أصلي إذا انتهى الأمر ولست مخاطباً بهذا الكلام . نقول:لا، ليس الأمر كذلك ، ولهذا يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام  وما أكمل لله تعالى صلاة .قيل:كيف ذلك،قال:لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله فيها.
والملاحظ تفريط الطلاب في الصلاة وهذا التفريط على أحوال:فمن الطلاب من لا يصلي أبداً وشرهم من يقف قريباً من المساجد وقت الجماعة ولا يصلي فيتجمهرون ويصدون من يأتي من زملائهم للصلاة وهؤلاء لم يكتفوا بشرهم على أنفسهم حتى أجروه إلى الآخرين .وقد شاهدنا أن كثيراً ممن يتجمهرون حول المساجد هم من الطلاب وقد شكا ذلك لنا كثير من أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والله المستعان .
ومن الطلاب من يصلي الصلوات الخمس ولكن لا يصليها مع الجماعة ومنهم من يعبث أثناء الصلاة ولا يعرف حق الصلاة .
 ويكفي لمعرفة انتشار التفريط في الصلاة أن تعرف أنه وجد من خلال الاستبانة أن أكثر من نصف الطلاب في أحد الفصول حضروا للدراسة  ولم يصلوا فجر ذلك اليوم الذي حصلت فيه الاستبانة لم يصلوا أبدا لا في المسجد ولا حتى في البيت، وهذه نسبة خطيرة مروعة .
هل تدرون ما معنى أن لا يصلى طالب الصلاة حتى يخرج وقتها وأن يحضر للدراسة وهو لم يصل؟ معناه: أنه كافر عند كثير من العلماء ، وقد صدرت فتوى لشيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله بأن من ضبط المنبه متعمداً على موعد العمل وهو بعد شروق الشمس ولم يضبطه على صلاة الفجر أنه كافر ، هل ترضى لنفسك ذلك ؟ لو ناداك شخص يا كافر لغضبت ولكن هذا حالك في الحقيقة إن كنت لا تصلي ، وهل  تدرون ما يترتب على الحكم بكفر الشخص ؟
معناه النار في الآخرة وحسبك جزاءً عظيماً ، انظر لو قربت أصابعك من النار فاحترق كيف تتألم ؟ فكيف تتحمل أن يشوى جميع جسمك  في النار وتسحب على وجهك فيها والعياذ بالله. وأنا أعلم أن منكم من حضر إلى هنا وهو لم يصل فجر هذا اليوم حتى الآن ، وأنا أعلم أن بعضهم ربما أعرض الآن وأصر على حاله ولكن ليعلم أن النار تذيب قاسي القلوب وليعلم أنه إذا أصر على حاله فسيلقى أهوالاً عظيمة فليحذر{أليس في جهنم مثوى للكافرين } .فهذا ما يترتب على الحكم بالكفر في الآخرة وأما في الدنيا فيطبق على الكافر بترك الصلاة أحكام المرتد فلا يجوز أن يزوج مسلمة ولو تزوج مسلمة فعقده باطل ، ولو تاب بعد ذلك فلا بد أن يعيد عقد النكاح ، ومن الأحكام في الدنيا أنه إذا مات هذا الذي لا يصلي فإنه لا يجوز أن يصلى عليه ولا يغسل ولا يكفن ولا يرثه أهله لا يدفن في مقابر المسلمين ، ماذا يصنع به ؟ يحفر له حفرة في الصحراء ويدفن فيها كما يصنع بالبهائم ،ولا يجوز أن يدعى له! سبحان الله من يرضى أن يكون هذا حاله والعياذ بالله !
والحقيقة أن  أخشى ما أخشاه على طلاب المعاهد أن يكون علمهم حجة عليهم لأنهم يستمعون في الدراسة إلى علم كثير من الكتاب والسنة ولكن أين العمل ؟
إن عوام الناس نخشى أنهم لا يعلمون ، أما الطلاب  فنخشى أن كثيراً منهم قلوبهم قد تصلبت وقست لأنها تعودت سماع كلام الخير والإعراض عنه فأصبح العلم حجة عليهم لا لهم والعياذ بالله .
يقول تعالى {ألم  يأن  للذين  آمنوا  أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد   فقست  قلوبهم     وكثير   منهم فاسقون } .
وهذا هو حال اليهود أوتوا العلم فكفروا فأصبحوا من أشد الناس قسوة في القلب ولهذا غضب الله عليهم ، ولهذا يستعيذ المسلم من حالهم في الفاتحة في الصلاة مراراً {غير المغضوب عليهم}
ثم إن عدم الصلاة تفقد بركة العلم ولهذا من الملاحظات البارزة التى لاحظناها في نتائج الاستبانة الارتباط بين الضعف العلمي والتفريط في الصلاة ، وهذه الاستبانة لم تحصل في دول  أخرى بعيدة أو في مدينة أخرى بعيدة من بلادنا ، هذه الاستبانة أجريت على طلاب هذا المعهد ونحن نعرف مستوى طلابنا ونتائجهم الدراسية فوجدنا هذا الارتباط الواضح . فتجد الفصل الضعيف علمياً يكثر فيه عدم الصلاة مقارنة بالفصول الأخرى ولا أريد أن أحدد إحدى السنوات فهي معروفة لدينا لكن يكفي معرفة الحال حتى أننا وجدنا من نتائج الاستبانة التفاوت بين فصلين في السنة الواحدة فوجدنا أن فصل (أ) في إحدى السنوات يلاحظ عليه الضعف العلمي الشديد ويلاحظ أيضاً أن كثيراً من طلابه لديهم تفريط في الصلاة بخلاف فصل (ب) في تلك السنة الدراسية .هذا يدل على الارتباط بين الضعف العلمي وعدم الصلاة فكأن من لا يصلي تنزع منه بركة العلم .نسأل الله السلامة
والآن دعونا ننتقل إلى أجواء علوية صافية ننتقل إلى أحوال السلف مع الصلاة لنر الفارق العظيم بين كثير منا الآن وحال السلف في الصلاة
يقول الشاعر
لا تعرضن بذكرنا في ذكرهم      ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
فمن أحوال السلف مع الصلاة :
نبدأ بوصية النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يسرك أن تلتقي  برسول الله صلى الله عليه وسلم فيوصيك ، هل يسرك ذلك ؟
إذاً استمع إلى وصية من قال الله عنه {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف  رحيم } استمع إلى وصية الرسول الرحيم صلى الله عليه وسلم الشفيق على أمته وهو في سكرات الموت فيوصى فيقول : " الصلاة  الصلاة ، وما ملكت أيمانكم " .
فيوصى بالصلاة ويكرر الوصية في تلك الحال العصيبة فيقول
" الصلاة  الصلاة " وإنما ذلك لعظم شأن الصلاة .
ومن أحوال السلف في الصلاة:كان كثير من السلف يقوم الليل بآية يرددها ويبكي حتى الفجر فالرسول صلى الله عليه وسلم قام الليل بقوله تعالى      { إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } فكان يرددها ويبكى صلى الله عليه وسلم حتى الفجر وهكذا كان كثير من السلف يقوم الليل بآية يرددها ويبكى حتى الفجر .
ومن أحوال السلف في الصلاة :
كان أبو بكر رضي الله عنه رقيق القلب إذا قرأ القرآن لا يملك إلا أن يبكي وكان في مكة يصلي بالليل ويبكي فيحتشد حوله نساء المشركين وأطفالهم فيتأثرون بقراءته فشكا المشركون ذلك إلى رجل أجار أبا بكر وقالوا إن أبا بكر فتن نساءنا  وأطفالنا .انظروا إلى هذا الحد كان تأثير خشوعه رضي الله عنه.
وكان عمر رضي الله عنه في صلاة الليل يبكي بكاءً شديداً حتى أن الدمع أثر في خديه فصار أثر الدمع خطين أسودين في خده رضي الله عنه.
ومن مواقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الصلاة: لما طعنه أبو لؤلؤة المجوسي في صلاة الفجر طعنه طعنات نافذة بخنجر مسموم فسقط عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينزف دما وحمل إلى بيته وقد أغمى عليه فلبث مدة مغمى عليه فاحتار الناس هل ما زالت فيه بقية أم لا؟ فقال البعض : إن كان أمير المؤمنين حياً فإنكم لن تحركوه بشيء كالصلاة، فنادوا يا أمير المؤمنين : الصلاة. ففزع رضي الله عنه وقال : ها ، الصلاة إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة .ففزع فطلب الوضوء فصلى  ، فانظر إليه رضي الله عنه وهو في غيبوبة الموت ينزف دماً يفزع لأجل الصلاة ويذكر أنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة .
وحقاً كما قال عمر رضي الله عنه إنه لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة لأنها عمود الدين وركنه الركين .
أين حال عمر رضي الله عنه ممن يسمع نداء حي على الصلاة .. حي على الفلاح وهو صحيح منعم وربما كان بجوار المسجد ثم لا يجيب !
إنا لله وإنا إليه راجعون! قال تعالى {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً }.
لقد كان الرجل من السلف يؤتى به يهادى بين رجلين من شدة المرض حتى يقام في الصف من شدة الحرص على صلاة الجماعة فيقال له : قد عذرك الله لو صليت في بيتك ، فيقول : إنه كما تقولون قد عذرني الله ولكن كيف أجلس في بيتي وقد سمعت نداء حي على الصلاة .
وقد كانوا إذا سمعوا النداء وأحدهم قد رفع المطرقة لا يضرب بها المسمار بل يضعها جانباً .
وكانوا يقولون : إذا رأيت الرجل يتهاون في تكبيرة الإحرام فاغسل يديك منه .
بل أشد من ذلك كانوا يقولون : عبد سوء من لا يجيب حتى يدعى. يعنى أنه لا يأتي للصلاة حتى يسمع الأذان فالأصل أنه يحضر قبل الآذان.
ولهذا يقول سعيد بن المسيب : ما أذن المؤذن منذ أربعين سنة  إلا وأنا في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم .
من أحوال السلف مع الصلاة :خبر الصحابي عباد بن بشر الأنصاري رضي الله عنه وسأروي لكم قصته العجيبة ....كان الرسول صلى الله عليه وسلم و المسلمون عائدين من غزوة ذات الرقاع فلما أناخوا رواحلهم في شعبٍِ قال لهم الرسول صلوات الله وسلامه عليه: ( من يحرُسنا في ليلتنا هذه ؟! )
فقام إليه عبّادُ بن بشرٍ، وعمارُ بنُ ياسرٍ وقالا: نحن يا رسول الله، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بينهما حين قدِمَ المهاجرين على المدينة.
فلما خرجا إلى فمِ الشعب قال عبادُ بن بشرٍ لأخيه عمارِ بن ياسرٍ: أيُّ شطريْ الليل تؤثرُ أن تنامَ فيه: أوّله أم آخره؟
فقال عمارٌ: بل أنامُ في أوّلِه، واضطجعَ غير بعيدٍ عنه.
 كان الليلُ هادئاً وادعاً،فتاقت نفسُ عبادِ بن بشرٍ إلى العبادةِ، واشتاق قلبُه إلى القرآن.
وكان أحلى ما يحلو له القرآنُ إذا رتله مُصلياً فتجمعُ متعة الصلاةِ إلى متعةِ التلاوةِ.
فتوجَّه إلى القبلةِ ودخلَ في الصلاة وطفِق يقرأ من سورةِ الكهفِ بصوته الشجيِّ النديِّ العذب.
وفيما هو سابحٌ في هذا النورِ القرآني؛أقبل رجل من المشركين يريد الأذى بالمسلمين  يحثّ الخطى فلمًّا رأى عباداً من بعيد منتصباً على فم الشعب عرف أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه بداخله وأنه حارسُ القوم؛ فوَترَ قوسهُ، وتناول سهماً من كنانته ورماه بِه فأصاب السهم عبادا رضي الله عنه.فانتزعه عبادٌ من جسده ومضى متدفقاً في تلاوتِه مستمرا في صلاته…
فرماه الرجل بآخرَ فوضعهُ فيه؛ فانتزعه كما انتزع سابقه،والدم ينزف منه، فرماه بثالث، فانتزعه كما انتزع سابِقيه، وزحفَ حتى غدا قريباً من صاحبه وأيقظه قائلاً: انهض فقد أثخنتني الجراحُ ( أضعفتني وأوهنت قوتي ).فلما رآهما الرجل ولّى هارباً.
 وحانت التفافةٌ من عمارٍ إلى عبادٍ فرأى الدّماء تنزفُ غزيرةً من جراحِه الثلاثةِ فقال له: يا سبحان الله هلاّ أيقظتني عند أولِ سهمٍ رماك به؟!
فقال عبّاد:كنتُ في سُورةٍ أقرأها فلم أحبّ أن أقطعها حتى أفرغ منها.  وأيمُ الله لولا خوفي من أن أضيعَ ثغراً أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بِحفظه لكان قطعُ نفسي أحبّ إلي من قطعها.
 ومن أحوال السلف مع الصلاة: خبر عبد الله بن الزبير بن العوام في طول صلاته وخشوعه فقد كان رضي الله عنه يصلي بجوار الكعبة فيركع فيطيل الركوع حتى تقع الطيور على ظهره .ومن شدة خشوعه أنه لما قصف الحجاج بن يوسف الثقفي المسجد الحرام بالمنجنيق جاءت إحدى قذائف المنجنيق فمرت بين رأسه وصدره وهو مستمر في صلاته ما بالى بها .
ومن أحوال السلف في الصلاة:
كان البخاري رحمه الله في صلاة فلسعه الزنبور في ظهره 17 لسعه فظل في صلاته حتى ختمها فلما قضى صلاته قال انظروا ما الذي آذاني ؟
وكان مسلم بن يسار رحمه الله من الخاشعين في الصلاة انهدم  مرة جدار المسجد أثناء الصلاة فهرب كل من في المسجد،وسمع صوت هدته من في السوق ومسلم بن يسار في صلاته في المسجد ما التفت وما خفف من صلاته بل استمر رحمه الله .
وحدث أحد السلف أن سفيان الثوري صلى مرة بعد المغرب فسجد سفيان الثوري سجدة طويلة استمرت حتى أذان العشاء.
وكان كثير من السلف ربما قاموا الليل كله بركعة واحدة يطيلونها حتى الفجر .
أيها الأخوة الكرام :
إن الحديث عن أولئك السلف الأخيار هو متعة للقلب وانشراح للنفس ، فما أنفع الحديث عنهم وما ألطفه !
وقد كان عبد الله بن المبارك رحمه الله إذا صلى في المسجد انصرف إلى بيته فيقول له أصحابه ألا تجلس فتتحدث معنا فيقول : أنا أذهب فأجلس مع الصحابة والتابعين ( والمقصود أنه يقرأ كتبهم وأخبارهم وعلومهم ) ثم أنشد :
     لنا ندماء لا نمل حديثهم             أجلاء مأمونون غيباً ومشهداً
فإن قلت:هم موتى،فلست بكاذب    وإن قلت:هم أحيا،فلست مفنداً
والحقيقة أنهم موتى الأجساد لكنهم أحياء بذكرهم في القلوب !
ولا يقولن قائل : أولئك السلف قوم مضت لهم سابقة        الحسنى  فلا يدرك حالهم .                                                              بل نقول كما قال الشاعر
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم            إن التشبه بالكرام فلاح 
ولا شك أن هؤلاء السلف قد ذاقوا لذة العبادة ووصلوا إلى سر الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " جعلت قرة عيني في الصلاة "  فلهذا يصبر السلف للصلاة هذا الصبر العظيم ولا يلتفتون  إلى الدنيا .
وقد كان أحد السلف إذا أراد أن يصلي يحمر وجهه ويصفر فسئل عن ذلك فقال: ألا تدرون بين يدي من أقوم ؟ يعني بين يدي الخالق الله سبحانه وتعالى .
إن السلف قد استشعروا قول " الله أكبر " في بداية الصلاة ولهذا صغرت الدنيا كلها أمام أعينهم " أولئك أبائي فجئنى بمثلهم " .
وقد كان السلف يقولون إذا أردت أن تنفعك صلاتك فأتمها كأنها أخر صلاة تصليها .ولهذا كانوا يوصون وصية جامعة فيقولون :" صل صلاة مودع "
أيها الإخوة الفضلاء: ألا من عودة قبل الموت:
فالموت قريب ولا يدري أحد متى ينزل بساحته {وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت} .
والموت لا يفرق بين كبير ولا صغير ، قال تعالى {ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغواً أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون}
ولتحذروا من طول الأمل فإنه يمنع كثيراً من العمل، كم من يقول: أتوب بعد سنة أو إذا صار عمري كذا، ثم يموت قبل ذلك . أو يصل إلى ذلك الوقت وقد قسا قلبه بسبب المعاصي فيحال بينه وبين التوبة. يقول تعالى { واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه }. كم من يذكر بقول : لا إله إلا الله عند الموت فيقسو لسانه فلا يستطيع أن يقولها والعياذ بالله .
والموت قد يأتي بغتة فيقطع على المرء الآمال الطوال قد يدخل أحدنا هذا المصلى فلا يرجع إلا ميتاً محمولاً .
قال الشاعر :
كم صحيح مات من غير سقم          ذهبت نفسه الصحيحة فلته
وموت الفجأة من أشراط الساعة ويكثر في آخر الزمان وتتعدد الأسباب والموت واحد. فقد يأتي الموت فجأة فتنقطع الآمال وأروي لكم هذه القصة الواقعية التي تبين طول الأمل وسرعة الأجل عن طبيب يقول:كان لي قريب في الثلاثين من عمره وكان لا يصلي فنصحته في الصلاة فماذا قال هذا القريب الذي لا يصلي؟قال :أنا الآن عمري ثلاثين سنة،وأبي عمره ستين سنة وجدي عاش أكثر من ثمانين سنة؛فاصبر حتى يكون عمري خمسين سنة وبعدها أصلي.فقال الطبيب:اتق الله،فالواحد منا لا يدري كم عمره؟والصلاة عمود الدين فلا تضيعها . يقول الطبيب:فرفض هذا القريب أن يصلي ،وبعد أسبوع اتصل بي رجل وأخبرني أنه في هذا اليوم سيصلي على جنازة قريبي هذا .فلما تعجبت وسألت كيف مات؟قالوا:إنه كان في الطريق إلى الشرقية وحصل له حادث في السيارة ومات.فقلت:  سبحان الله!!!يؤمل أن يعيش عشرات السنين وبعدها يصلي ،ولكنه يموت فجأة خلال أسبوع!!! 
  فالحذر من طول الأمل يقول النبي صلى الله عليه وسلم " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل "  ويقول ابن عمر :إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء .
وقد تذاكر ثلاثة من السلف قصر الأمل فقالوا لأحدهم : ما بلغ من قصر أملك ؟ قال إذا رأيت هلال الشهر لا أظن أني أتم الشهر فقالوا إن هذا لأمل طويل. ثم قالوا للثاني : ما بلغ من قصر أملك؟ قال:     إذا صليت صلاة فلا أظن أني أعيش إلى وقت الصلاة الأخرى . قال الثالث : إن هذا لأمل طويل قالوا ما بلغ من قصر أملك ، قال الثالث : ما أمل من نفسه بيد غيره ، ما تنفست نفساً فظننت أني أعيش حتى أتنفس نفساً غيره .
وختاماً :
البدار البدار إلى سعادة الدنيا والآخرة بالصلاة فإنها الموصلة إلى الراحة الحقيقة في الجنات دار النعيم المقيم .
وليراجع كل منا نفسه في شأن الصلاة ولنعمل على تحسين حالنا في الصلاة من الآن ، فمن جاهد في سبيل الخير يسر له قال تعالى:            { والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } .                                   اللهم لو كنا نملك أن نشق القلوب فنضع فيها لهداية لوضعناها في قلوبنا وقلوب طلابنا ولكنك أنت سبحانك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم .اللهم اهدنا بهداك، ووفقنا بتوفيقك.   
                                            والحمد لله رب العالمين